القائمة إغلاق

التكوين المعماري في حضارة اليمن القديم

قبل 3000 عام كان اليمنيين القدماء يشيدون قصورهم بطريقة رائعة كلها إبداع وفلسفة عمرانية راقية … فيها شيء من الشموخ والعلوا نحو الأفق قدر الإمكان فإذا ما وجد الإنسان اليمني جبلا أو تلا مرتفعا يقيم فوقه مسكنه صنعه صناعه.

من خلال نماذج المساقط المعمارية المبينة في الصورة لمسكن شيد في أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد لدراسة ميدانية نشرها الآثاري الروسي سيدوف أ. عام 2018م ، وهو باحث من قبل معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في اليمن الذي جرت في عام 1983م المأخوذة لأطلال مبنى سكني قديم في مستوطنة ريبون بحضرموت.

من خلال هذه المساقط المعمارية واضح مقدار التطور الرفيع ورقي الذوق العمراني في تشييد المساكن الخاصة في حضارات اليمن القديم … فمن خلال هذا النموذج المعماري القائم على حقائق ميدانية لما تبقى من اطلال هذا المسكن نجد بأن المبنى السكني المشيد في منتصف تل قد يكون طبيعيا أو صناعيا على شكل هرم مستطيل محاط باسوار ضخمة جدا تبداء من منسوب الصفر عند الأطراف الخارجية ثم ترتفع عشرات الأمتار إلى الاعلاء بشكل منسق وجميل تتوسطها اعمدة ضخمة متناسقة حول خاصرة محيط السور من كل الاتجاهات ، وهذا السور الضخم صمم خصيصا بهذا العرض والضخامة ليتحمل كتلة الردميات الهائلة المكونة لهذا التل الصناعي أو الطبيعي … إلى هنا لم ينتهي الإبداع الهندسي فعند وصول بناء السور إلى اعلاء مستواء من الداخل ومن هذه النقطة أعيد تشكيل بناء السور بطريقة احترافية بديعة الغرض منها التحصين ليرتفع عدة أمتار بوجه خارجي أملس من الأحجار المصقولة جيدا يصعب تسلقة ، ولهذا يبدوا السور من الخارج بنمطين من التشكيل المعماري الجميل … أما وجه السور من الداخل فتم استغلاله لبناء ملحقات خدمية مكشوفة يدعمها صف متناسق من الاعمدة بطول محيط السور من كل الاتجاهات ، في احد واجهات السور والمرجح ان يكون الوجه الشرقي يوجد المدخل الرئيسي للمبنى وهو بارز للأمام معزز بأربعة اعمدة من الحجر الرخام الفارعة وامام المدخل شيد مبنى ملحق أنيق متصل بالمبنى الرئيسي بمدخل خاص مع باب إلى الخارج ، وهذا المبنى الملحق قد يكون معبد أو صالة استقبال ، وامام مدخل المبنى ساحة توزيع صغيرة متصلة بسلالم ضخمة لربط مناسيب التل السفلية مع العلوية وهي نوعين واحد منها عريض ومنبسط يمكن للعربات الصعود عبره الى بوابة مدخل القصر والثاني جانبي خاص بصعود المشاه ، وعند نهاية سلم المشاة السفلية شيد مبنى اخر ملحق يبدوا انه سكن خاص بالعمال او مطبخ ، وهذه حلول معمارية وانشائية غاية بالروعة حول المبنى.

وجود المبنى بهذا الشكل المستطيل الجميل في منتصف التل مع هذا التشكيل الرائع لبوابة مدخل المبنى المزودة بأربعة اعمدة من الرخام تحاكي نفس نمط بوابة المدخل الرئيسي الخارجي مع وجود غرف صغيرة متماثلة فوق سطح المبنى تبدوا وكأنها معمولة غرف راحة وتمتع بصري لكل ما يحيط بالمبناء … شيء يشبه بناء الطيرمانات فوق المباني العالية في ايامنا الحديثة.

بناء مثل هذه المساكن وتشكيل التلال الصناعية بهذه الكتل الضخمة واحاطتها باسوار ضخمة جميلة وسلالم خدمية متنوعة مع مباني خدمية خارجية ملحقة انما ينم عن ثقافة راقية ومقدرة كبيرة على تشييد مباني ضخمة مثالية جميلة للسكن المريح … كما ان وجود التشكيل العمراني المميز لمثل هذه المداخل المزينة بالعمدان الرخام أو الحجر المصقول ذات التيجان يؤكد بأن نمط البناء هذا كان سائدا في شبه الجزيرة العربية قبل أن يصل إلى بلاد الرومان وأن الرومان ربما نقلوه عن هذه المباني إلى بلدانهم عبر قوافل تجارة البخور وتجار سباء ومعين .

مثل هذه المباني والقصور بحاجة إلى إعادة رسمها معماريا وشرحها إنشائيا وتدوينها في مجلدات قبل أن تندثر بقايا اطلالها ويصعب تأكيدها للأجيال بعد اندثارها .

د .م صالح علي السحيقي