القائمة إغلاق

الرئيس قحطان محمد الشعبي

قحطان محمد الشعبي (1923م- 1981م) أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في الفترة من 1967م إلى 1969م والتي عرفت فيما بعد بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

ولد في وادي شعب، أحد أودية مدينة طور الباحة عاصمة إقليم الصبيحة عام 1923م ولم يرَ أباه قط فقد ولد يتيماً حيث توفي والده قبل أشهر من ولادته.

كفله بالرعاية قريبه الشيخ عبد اللطيف عبد القوي الشعبي شيخ “وادي شعب” وهو والد الشهيد المناضل فيصل. وقحطان هو ثالث أخويه، حيث يكبره شقيقان هما سعيد وقد توفي في سن الشباب وقبل انطلاق ثورة 14 أكتوبر بسنوات كثيرة، ومريم وقد توفيت في ثمانينات القرن الماضي بعد رحيل قحطان عن الدنيا.

في سن الطفولة قام قحطان برعي الأغنام في وادي شعب، وعندما كبر قليلاً انزله الشيخ عبد اللطيف إلى عدن للدراسة. في البداية تعلم قحطان في وادي شعب القراءة والكتابة وحفظ اجزاء من القرآن الكريم، وعندما كبر قليلاً أنزله الشيخ عبد اللطيف إلى عدن وألحقه بالدراسة في “مدرسة جبل حديد” التي كانت تعرف أيضاً ب “مدرسة أولاد الأمراء” وأحياناً تعرف ب”مدرسة أبناء الشيوخ” لوجود عدد من أبناء السلاطين وأهم الشيوخ يدرسون بها, وهذه المدرسة هي أشهر مدرسة في تاريخ عدن حتى اليوم، ولا تزال معالم المدرسة قائمة.

في أوائل الاربعينات من القرن المنصرم توجه قحطان في بعثة دراسية إلى السودان، وكان التعليم الجامعي هناك متطوراً لوقوعه تحت اشراف السلطات البريطانية حيث كان السودان يرزح حينئذٍ تحت الاحتلال البريطاني، واكمل قحطان تعليمه بتخرجه مهندساً زراعياً في كلية الزراعة بجامعة جوردون بالخرطوم ليكون أول مهندس زراعي بين أبناء الجزيرة العربية وهو أيضاً الوحيد بين رؤساء اليمن جنوباً وشمالاً المتخرج جامعياً (في 10 أكتوبر 2010 صدر العدد الأول من صحيفة “اليقين” اليمنية مزدانة بصور رؤساء اليمن شمالا وجنوبا وقدمت نبذات عنهم فذكرت أن قحطان الشعبي هو الأعلى تعليماً بين رؤساء اليمن..واشارت إلى أن الشعبي حاصل على بكالوريوس في الهندسة الزراعية وأن ثلاثة ممن خلفوه في الحكم حاصلين على الشهادة الابتدائية فقط وهم سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل وعلي سالم البيض).

مارس العمل السياسي وهو في سن الشباب عندما كان طالباً جامعياً بالسودان فقاد المظاهرات ووزع المنشورات المعادية للاحتلال البريطاني للسودان وتعرض جراء ذلك للاعتقال والضرب مراراً

بعد تخرجه عاد إلى عدن ومارس العمل في مجاله كمهندس زراعي، وعمل لفترة مديراً للزراعة (وزيراً للزراعة) في أبين، وفي بداية الخمسينات من القرن الفائت انتقل للعمل في المنطقة الشرقية من الجنوب اي حضرموت حيث عمل ناظراً للزراعة (أي وزيراً للزراعة) لسلطنتي حضرموت وهما القعيطية والكثيرية، وفي أواسط الخمسينات عاد إلى ما كان يعرف بسلطنة لحج المجاورة لإقليم الصبيحة، السلطنة العبدلية عمل قحطان مديراً للزراعة (أي وزيراً للزراعة بالسلطنة).

تفوق قحطان في مجال عمله مما أتاح له خلال سنوات قليلة أن يمنحه البريطانيون في عدن درجة وظيفية رفيعة كانت هي الأعلى على الإطلاق ولم يكن حينها يحملها من أبناء الجنوب سوى ثلاثة فقط أحدهم هو قحطان الذي كان أصغرهم سناً وكان ذلك يثير عليه غيرة وحسد الآخرين، ويجب أن نعلم بأنه في عهد الاستعمار البريطاني كان للدرجات الوظيفية والرتب العسكرية والأوسمة قيمة عالية فلم تكن تمنح إلا لاعتبارات موضوعية ووفق شروط صعبة ودقيقة.

في مطلع الخمسينات من القرن العشرين اصبح قحطان الشعبي واحداً من مؤسسي “رابطة أبناء الجنوب” التي اعتبرت حينئذ حزباً تقدمياً ووحدوياً فقد كانت تطالب باستقلال الجنوب ووحدته وهي دعوة تعد متقدمة مقارنة بما كانت بعض أحزاب عدن تدعو إليه من استقلال لعدن وحدها ومنحها حكماً ذاتياً يؤدي إلى قيام دولة في عدن فقط) وتزعم محمد علي لقمان هذه الدعوة ووضع كتاباً بعنوان “عدن تطلب الحكم الذاتي” وكان هو وولده علي يتبنيان فكرة “القومية العدنية”).

مع ازدياد النشاط السياسي لقحطان كقيادي رابطي مناهض للاستعمار دخلت القوات البريطانية في عام 1958م إلى “الحوطة” عاصمة سلطنة لحج لاعتقاله ولحسن الحظ كان حينها موجوداً في عدن فاتجه إلى منطقة “الوهط ” القريبة من “الحوطة” ونزل لساعات عند اصدقاء حميمين له ومن ثم غادر إلى تعز في المملكة المتوكلية اليمنية، ومن تعز اتجه للقاهرة طالباً اللجوء السياسي.

أسس المناضل فيصل عبد اللطيف الشعبي فرع حركة القوميين العرب في اليمن عام 1956م عندما كان طالباً بالمرحلة الثانوية في مصر، وانضم قحطان وآخرون إلى الحركة بشكل سري.. وفي عام 1960م استقال قحطان وزملاؤه من الرابطة وبينهم سيف الضالعي، علي أحمد السلامي، طه مقبل، سالم زين محمد، علي محمد الشعبي، أحمد عبده جبلي، وعبد الكريم سروري وغيرهم، وأوضح بيان استقالتهم الأسباب التي كان من أهمها ان الرابطة انحرفت عن المبادئ والأهداف القومية وذلك لإحيائها الدعوة الانفصالية القديمة التي كانت تهدف لإقامة دولة مستقلة بعدن والإمارات ليست يمنية الهوية.

في أكتوبر 1959 وضع قحطان وفيصل كتيباً باسم حركة القوميين العرب بعنوان “اتحاد الإمارات المزيف مؤامرة على الوحدة العربية” يعتبر أهم وثيقة سياسية وطنية خلال مرحلة الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، وفي هذا الكتيب ظهرت أول دعوة لانتهاج الكفاح المسلح وسيلة لتحرير الجنوب.

في 13 أكتوبر 1963 هاجمت قوات لحكومة الاتحاد الفدرالي للجنوب مجموعة من مشيخة القطيبي بردفان (عادت من الشمال بعد مشاركتها في القتال بالصف الجمهوري) وجاء هذا الهجوم كرد فعل في اليوم التالي لمحاولة بعض من آل لبوزة (وينتمون للقطيبي) اغتيال الشيخ محمود حسن علي لخرم نائب أمير الضالع في مشيخة القطيبي، وقتل في الهجوم الإتحادي اثنان من أهل ردفان (أحدهما الشيخ راجح غالب لبوزة العائد من الشمال) وأصيب أربعة فيما انسحبت القوات الإتحادية سالمة بعد أن عاقبت من حاولوا اغتيال لخرم, وفي مساء اليوم التالي 14 أكتوبر وصلت أنباء المعركة إلى قيادة الجبهة القومية المتواجدة بشمال اليمن (قحطان الشعبي ونائبه بمكتب الجنوب ناصر السقاف) فكتب الشعبي من فوره بياناً باسم الجبهة يعلن ثورة تحرير الجنوب ابتداءً من 14 أكتوبر 1963 وأوصل السقاف البيان إلى إذاعات مصر واليمن فلم تبثه فقد انزعجت القيادة اليمنية والقيادة المصرية باليمن (الحاكم الفعلي باليمن حينئذ وحتى انسحاب القوات المصرية من اليمن في أكتوبر 1967) من تحديد موعد للثورة فليستا على استعداد لاستعداء بريطانيا التي تحتل الجنوب. وفي 17 أكتوبر صدر بيان عن حكومة الاتحاد حول أحداث ردفان في 12 و 13 أكتوبر فكتب الشعبي في 18 أكتوبر بياناً آخر باسم الجبهة يحمس أبناء الجنوب وبخاصة أبناء ردفان لمقاومة الاحتلال البريطاني وحكومة الاتحاد ولم يحدد فيه يوم بدء الثورة ولكنه بشر بقرب حدوثها، وبعد مماطلات وافقت السلطات المصرية على مضض على بثه من إذاعات مصر واليمن فبث في 26 أكتوبر! وكان الهدوء قد ساد ردفان فأشعل بيان الجبهة الفتيل فاندلعت انتفاضة قبلية في ردفان ضد القوات البريطانية والإتحادية ووفر قحطان الدعم بكافة اشكاله للمقاتلين هناك وجعل من ردفان أول جبهة قتال في ثورة التحرير, وعين لها قائداً من دثينة هو عبد الله المجعلي (لاحقاً ترك الجبهة القومية إلى جبهة التحرير التي أنشأها جهاز الاستخبارات المصري في يناير 1966 بهدف أن تكون بديلا للجبهة القومية لأن قيادتها لم تكن ترضخ لرغبات القاهرة. وفي 1967م توفي المجعلي بالشمال اليمني في حادث مروري).

قدم قحطان أول دعم “شخصي” للمقاتلين بردفان وكان عبارة عن 25000 (خمسة وعشرين ألف) طلقة رصاص من أصل 30000 (ثلاثين ألف) طلقة كان قد سلمها للملازم ثابت علي مكسر الصبيحي لاستخدامها في الصبيحة وكان مخططاً أن تنطلق حرب التحرير من هناك فجاءت أحداث ردفان ولم يفوتها الشعبي وقام بتحويلها من مجرد انتفاضة قبلية إلى ثورة مسلحة لتحرير الجنوب كله, فأمر الملازم ثابت بنقل 25000 طلقة إلى ردفان لدعم المقاتلين, ونفذ ثابت المهمة بسرعة ونجاح (لا يزال حياً يرزق حتى كتابة هذه الفقرة في 30 نوفمبر 2010 ويعيش بالصبيحة ونتيجة إهمال سلطات دولة الوحدة اليمنية في علاج بصره صار كفيفاً فلا حول ولا قوة إلا بالله).

في يناير 1964 أوصل قحطان بنفسه إلى جبهة القتال بردفان (عبر قعطبة) أول قافلة دعم عسكري وإنساني مقدم باسم الجبهة القومية وحملت الدعم قافلة من الدواب وكان هو يسير على قدميه.

ــ شارك قحطان في عدد من معارك جبهتي ردفان والضالع. ودخل متخفياً إلى مستعمرة عدن عشرات المرات خلال حرب التحرير، وكان في حي المنصورة بعدن عندما وقع الاقتتال الأهلي الأول في سبتمبر 1967 بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وكاد أن يقتل فيها عندما سقطت قذيفة على المنزل الذي كان يقيم فيه مع بعض مناضلي الجبهة القومية فغادروا إلى حي الشيخ عثمان، وقد انتابت عبد الفتاح إسماعيل حالة من القشعريرة مع حُمى عقب سقوط القذيفة وعندما غادروا إلى الشيخ عثمان بسيارة فإن الدوريات البريطانية أوقفتها أكثر من مرة للتفتيش فكان قحطان يشير إلى عبد الفتاح ويقول بأنهم ذاهبون لإسعافه فكان الأنجليز يرثون لمنظر عبد الفتاح المتهالك فيتركون السيارة تمر سريعا بدون تفتيش وكان قحطان يضحك ويقول “والله نفعتنا يا عبد الفتاح بحالتك هذه”.

في 13 يناير 1966 وبترتيب من المخابرات العامة المصرية بقيادة صلاح نصر تم الإعلان عن قيام تنظيم سياسي جديد هو “جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل” التي ضمت عدداً من السلاطين والأمراء السابقين وبعض الشخصيات السياسية التي عارضت أسلوب الكفاح المسلح عندما بدأت ثورة 14 أكتوبر، وبموافقة وتوقيع عضو واحد من قيادة الجبهة القومية (علي السلامي) تم ضم الجبهة القومية إلى جبهة التحرير، فأعلن قحطان الشعبي من القاهرة عدم شرعية ضم الجبهة القومية إلى جبهة التحرير وقال “إن اندماج الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل مع أي تنظيم آخـر ـ إذا ما وجد هذا التنظيم ـ لن يقرره حسب ما ينص عليه الميثاق الوطني للجبهة القومية والنظام الداخلي لها عضو قيادي أو عضو عادي من أعضائها أو مجموعة منها، ولا يقرره حتى مجلسها التنفيذي أو مجلسها الوطني، بل يقرر المؤتمر الوطني للجبهة القومية الذي يضم المجلس التنفيذي والمجلس الوطني وممثلين لكل قواعد الجبهة العسكرية والشعبية”، وأعتبر الشعبي أن تلك مؤامرة للقضاء على الجبهة القومية بعد أن أخذت الثورة المسلحة في الجنوب تحقق المزيد من الانتصارات، وعلى إثر ذلك أحتجزته السلطات المصرية (منعته من مغادرة مصر) كما أحتجزت رفيق دربه فيصل عبد اللطيف.