القائمة إغلاق

الحلبة (السلته) .. حقائق ومعلومات تاريخية اجتماعية | أمة الرزاق جحاف

السلته هذا الطبق اليمني الصنعاني الشهير الذي يتربع بغرور على مائدة الغداء الصنعاني لإدراكه أنه منذ سنوات موغلة في القدم يتربع على هذه المائدة كطبق رئيسي لا تتكتمل المائدة بدونه يتناوله الأغنياء والفقراء على حد سواء.

والحقيقة أنه لا أحد يدري حتى الآن متى بدء اليمنيون في تناول السلته كطبق غذائي يتميزون به عن غيرهم من العرب في جميع الدول العربية بل وربما العالمية حيث من المعروف أنهم جميعا يتناولون بذور الحلبة كمشروب صحي غني بالفيتامينات باردا أو ساخنا لكن حسب معلوماتي لا يوجد غيرنا من يأكلها بالخبز أو الملوج كوجبة غذائية.

والحقيقة أن المتأمل في كيفية إعداد السلته إبتداء من طحنها بعد خلطها بقليل جدا من نبات الفول أو الدجرة ثم أخذ كمية منها لا تقل عن ملعقة بالنسبة للأسرة متوسطة العدد وبلها في ماء عادي البرودة لفترة كافية لا تقل عن ساعتين ثم سكب الماء منها بحذر شديد لتبقى مترسبة في قعر الإناء ويضاف لها شيء يسير من مسحوق عودي يسمى عودي الحلبة لتخفيف من مرارتها ثم البدء في خفقها باليد خفقا متتاليا بسرعة متناهية تسمى هذه العملية – بخضب الحلبة- حتى تختفي مرارتها وتقدر المدة الكافية للخفق خبرة ربة البيت في إعدادها.

هذه الخطوات كلها تجعلنا نتسائل ترى كم من الوقت احتاجه اليمنييون لكي تتراكم لديهم كل هذه الخبرات في كيفية الإعداد؟ وكم من الأعواد والأشياء قد تم تجربتها لكي يتأكدوا أن هذا العودي ( عودي الحلبة) دون غيره كفيل بإزالة المرارة ؟لا شك أنها قرون طويلة من الزمن أدت إلى تراكم هذه الخبرة المعرفية.

أما بالنسبة لما يشاع أن السلته طبق منقول عن الأتراك عند إحتلالهم لليمن فالحقيقة أن ما جعل هذا الاعتقاد سائدا هو كلمة ( سلته ) التي هي في الأساس كلمة تركية وهو ما جعل الشك يتسرب إلى نفسي في البداية ولكن وبعد البحث مع بعض الأتراك الذين التقيت بهم في تركيا عرفت أن كلمة (سلت) في اللغة التركية ليست إسم ولكنها فعل وتعني أضافة بقايا أكل موجود في طبق الى طبق إخر أو تنظيف الطبق مما فيه ولهذا أيضا دخلت في اللهجة الصنعانية فيقال اسلته بمعنى نظفه أو أنقل ما فيه ويقال مثلا (اسلت ذيه لذيه ).

فكيف اصبحت هذه الكلمه تدل على السلته.؟

روى لي الكثير من كبار السن بصنعاء القديمة أن الأتراك حينما احتلوا صنعاء كان أهل صنعاء يتناولون الحلبه بنفس اسمها ( حلبه) وكانت إما بيضاء ويقصدون بها فتة الحلبة وهي اضافة الماء الساخن الى الحلبة ورشها فوق فتة الملوج مع إضافة السمن اليها وبذور الحبه السوداء وهذه الأكله كانوا يفضلون تناولها في سحور رمضان بسبب ما تحققه للجسم من عدم الاحساس بالجوع والعطش خلال فترة الصيام.

أما النوع الثاني فهو الحلبة الحامضة وهي الحلبة بعد خفقها أو خضبها مضاف اليها قليل من الخل البلدي الذي تفنن الصنعانيون في صناعته من زبيب العنب الذي اشتهرت اليمن بإنتاجه وغالبا ما تقدم هذه الحلبة في فطور رمضان ملازمة (للشفوت).

أما النوع الثالث فهو الحلبة بالمرق حيث بعد خضب الحلبة يتم طحن أو سحق بعض أوراق نبات الكراث أو ما يسمى في صنعاء( بيعه) مع قليل من الثوم والملح والزعتر والبسباس الأخضر ثم يمزج مع الحلبة قبل إضافتها للمرق الذي يفضل أن يكون مرق عجل أو بقري وقد يضاف اليها قطعة من البطاطا المسلوقة مع المرق هكذا كان الصنعانيون يتناولون الحلبة.

لكن مع الاحتلال العثماني ادخلت بعض الأطباق الجديدة للمائدة الصنعانية مثل المحشي الذي ما يزال أهل صنعاء يسمونه طلمه وهي تسمية تركية وكذلك الكباب وفي المقابل حدث تطوير في مكونات الحلبة حيث اصبح يضاف اليها أو( يسلت لها ) ما يتبقى في الصحون التي قدمت قبلها وهي غالبا الرز أو الطبيخ وكبيبات اللحم المفروم اضافة للمرق وهكذا تحول اسمها من حلبه الى سلته نسبة للفعل كما ذكرت مع التأكيد أن اسم حلبة ما يزال يطلق عليها حتى الآن حين تكون ما تزال في وعائها الذي ينسب اليها فيقال (طاسة الحلبة) أما الوعاء الذي لابد أن تقدم فيه كشرط اساسي لاكتمال وصفها فهو إناء منحوت من نوع خاص من الحجر اشتهرت بصناعته محافظة صعدة يسمى حرضه ولا يزال هذا النوع ينسب اليها فيقال نقلى صعدي تمييزا له عن مقلى (المدر).

وبعد إعلان توحد اليمن وتواصل شماله مع جنوبه شهدت السلته تطورا جديد حيث قام إخواننا الحضارمة حسب ما بلغني بإضافة كمية كبيرة من اللحمة المسلوقة بالمرق بعد أن يتم هرسها في مقلى الحرضة وهكذا اصبح يوجد لدينا نوع جديد يسمى فحسة ..

هذا ما توصلت اليه من خلال هذا البحث المتواضع والذي أرجو أن تثروه بملاحضاتكم ومعلوماتكم

بقلم / أمة الرزاق جحاف