القائمة إغلاق

تغير الاصطفافات بين دول الخليج السفلى.. هل يقود محمد بن زايد حلفًا خليجيًا ضد محمد بن سلمان؟


السفير باتريك ثيروس* – منتدى الخليج الدولي|

منذ مؤتمر العلا الذي انعقد في يناير 2021 مرورا بالتقارب الأخير بين السعودية وإيران، اتخذت عمليات إعادة الاصطفاف بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأخرى المجاورة للخليج منعطفات جديدة وغير مسبوقة نسبيًا.

في العامين الماضيين، عقد حكام البحرين وقطر والإمارات عددًا مفاجئًا من الاجتماعات الودية المفعمة بالحيوية، على الرغم من الثأر المتفاقم بين العائلات الحاكمة والذي يمتد لأكثر من قرن من الزمن والذي بلغت ذروته في عام 2017 عبر “حصار” قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مع تقديم العديد من الدول العربية الأخرى في البداية دعمًا خطابيًا أو غير مباشر لهذه الخطوة.

عقود من عدم الثقة
بدأ العداء بين العائلات المالكة في كل من البحرين وقطر والإمارات – آل خليفة وآل ثاني وآل نهيان – في ستينيات القرن التاسع عشر.

في ذلك الوقت، حكم آل خليفة، الذين ينحدرون من مدينة الزُبارة في قطر الحالية، البحرين وقطر انطلاقًا من البحرين قبل ان يتمرد آل ثاني على آل خليفة ويبسطوا سيطرتهم على شبه الجزيرة في ستينيات القرن التاسع عشر.

تحولت محاولة آل خليفة لاستعادة قطر – بدعم من عائلة آل نهيان – إلى هزيمة عسكرية مخزية على يد القطريين وقام آل خليفة وآل نهيان بتغذية ضغائنهم ضد قطر منذ ذلك الحين، فيما احيا آل ثاني ذكرياتهم تجاه هذا التحالف من وقت لآخر.

السيطرة البريطانية على الخليج الأدنى في الفترة التالية، لم تفعل شيئًا لأنهاء العداوات بين دول الخليج.

كانت المحميات الخليجية البريطانية تدار من الهند، حيث أمضى البريطانيون الجزء الأكبر من القرن في إتقان استراتيجية دفع الحكام المحليين ضد بعضهم البعض لتقويض اي مقاومة ضد الاستعمار، لتستمر بذلك النزاعات الإقليمية والضغائن التي رافقتها خلال فترة الحماية؛ ولم تقم دبي والشارقة بتسوية نزاعهما الحدودي الذي دام قرنًا حتى عام 1976، بينما أنهت أبوظبي أخيرًا نزاعًا مع السعودية حول واحة البريمي في عام 1974 بالتنازل عن ممر إقليمي مطل على الخليج للمملكة.

خدم هذا الترتيب المصالح الإماراتية، حيث أن الأراضي التي تم التنازل عنها كانت منطقة حرام متنازع عليها مع قطر، لكنه فاقم الخلافات القطرية السعودية، وفي عام 1992 قتلت القوات السعودية اثنين من حرس الحدود القطريين في منطقة متنازع عليها.

قام مؤسسا دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، بدعوة قطر والبحرين للانضمام إلى الاتحاد الجديد الذي كانا يريدان إنشاءه، لكنهما سحبا الدعوة بمجرد أن أصبح واضحًا أن قطر والبحرين لن تكونا قادرتين على تسوية نزاعهما على جزر حوار، كما مارس السعوديون ضغوطاً على كلا البلدين لعدم الانضمام، جزئياً من خلال العمل على تأجيج التوترات بشأن الجزر. (تم حل النزاع أخيرًا في عام 2001، عندما منحت محكمة العدل الدولية معظم الجزر للبحرين).

شهدت العقود العديدة التي تلت الاستقلال قدرًا كبيرًا من الاحتكاك بين دول الخليج الأدنى، فقطر، على سبيل المثال، تلوم جيرانها على تسهيل محاولة انقلاب القصر عام 1996.

بعد عام 1996، أطلقت قطر إصلاحًا كبيرًا لسياستها الخارجية وأقامت إصلاحات اجتماعية ليبرالية، وشجعت التعليم على النمط الأمريكي، وسهلت إنشاء حرم جامعي تابع للولايات المتحدة في أراضيها، وأقامت علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وأنشأت قناة الجزيرة، وهي شبكة تلفزيونية حرة ومفتوحة نسبيًا نمت بسرعة لتصبح المصدر الإخباري الأكثر تأثيرًا في الخليج.

رأى جيران قطر في هذه الأعمال تهديدًا للوضع القائم في بلدانهم، والأمر الأكثر اثارة للإدانة هو أن قطر انضمت إلى الحركات التقدمية للربيع العربي في عام 2011، حيث دعمت علنًا الثورات في تونس ومصر وليبيا – حتى في الوقت الذي كرست فيه دول الخليج موارد هائلة لاحتوائها.

نظرت دول الخليج الأخرى إلى تصرفات قطر على أنها تهديد مباشر لها، وفي عام 2014، سحبت سفراءها من الدوحة، وطالبوا قطر بالتخلي عن سياستها الخارجية المستقلة.

على الرغم من أن أزمة عام 2014 حُلت بسرعة، إلا انه سرعان ما واجهت قطر اتهامات لاحقة من قبل جيرانها قالوا فيها انها تراجعت عن الاتفاقات التي أبرمتها، وفي يوليو 2017، فرضوا حصارًا سياسيًا واقتصاديًا كاملاً على قطر، قطعوا من خلاله العلاقات، وقرروا ترحيل جميع المواطنين القطريين، وأغلقوا حدودهم البرية مع شبه الجزيرة، وحظروا الحركة الجوية والبحرية مع قطر.

لم ينته حصار الرباعية الا في عام 2021، واستمر انعدام الثقة لأشهر بعد ذلك، لا سيما في علاقات قطر مع البحرين والإمارات.

في كانون الثاني (يناير) 2021، دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود (MBS) إلى مؤتمر قمة في العلا، وهي مدينة قديمة في شمال غرب البلاد، بهدف حل الأزمة، وكان من الواضح أن محمد بن سلمان هو القوة الدافعة وراء التقارب.

أعادت المملكة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع قطر على الفور، لكن البحرين والإمارات تباطأتا لمدة عامين آخرين.

أعيد فتح المجال الجوي والمياه الإقليمية، لكن التجارة بين قطر والبحرين والإمارات عادت ببطء وظلت السفارات مغلقة.. ثم بدأت الأمور تتغير.

التقى الشيخ الاماراتي محمد بن زايد مع الشيخ القطري تميم على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في فبراير 2022، ومنذ ذلك الحين، تبادل الحاكمان الزيارات وكان أبرزها عندما حضر محمد بن زايد كأس العالم 2022 في قطر في نوفمبر من العام نفسه.

التقى تميم مع بن سلمان في اجتماع حظي بتغطية إعلامية كبيرة في منتجع على البحر الأحمر في سبتمبر 2021، وحضره أيضًا الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي لمحمد بن زايد.

تبع ذلك المزيد من الاجتماعات بين الأطراف الثلاثة حيث بدا أن المصالحة تزداد ثباتًا.

في يونيو 2023، أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في الدوحة، بعد ست سنوات تقريبًا من تاريخ فرض الحصار كما أعاد دبلوماسيون قطريون فتح سفارتهم في أبو ظبي وقنصليتهم في دبي في نفس اليوم.

على مدار العام الماضي، توسع الانفراج ليشمل قطر والبحرين، اللتين أظهرتا في السابق توترًا مستمرًا في علاقتهما، حيث تحدث ولي عهد البحرين مع أمير قطر عبر الهاتف في يونيو 2023، وهي خطوة فاجأت العديد من الخبراء الخليجيين.

قبل المكالمة، حضر كل من أمير قطر وملك البحرين قمة عربية صغيرة استضافتها الإمارات، لكن لم تكن هناك تقارير عامة عن اجتماع الزعيمين على الهامش – أو انهما تفاعلا خلالها بأي شكل من الأشكال.

الحقائق المتغيرة على الارض


منذ زمن سحيق، حاولت الوحدات السياسية الساحلية الصغيرة في الخليج صد الهيمنة الخارجية، سواء من الفرس إلى الشرق أو الجيران العرب الأكبر في الغرب.

لقد أنجزت الدول الساحلية ذلك تقليديًا من خلال البحث عن حماة من بين القوى العظمى من خارج الخليج.

الولايات المتحدة هي الأحدث في سلسلة طويلة من القوى الخارجية التي تبدأ بالبابليين وتشمل، عبر التاريخ، البرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين.

يبدو الآن أن الشيخ محمد بن زايد قد شرع، لأول مرة في تاريخ الخليج المعروف، في إنشاء مركز قوة داخل الخليج يمكنه تحدي كل من جاريه المفترسين إيران والسعودية بقوته الخاصة.

لقد استخدم محمد بن زايد الثروة الهائلة من النفط والغاز التي تمتلكها الامارات لبناء جيش قوي حيث يُفترض تقليديًا أنه يهدف إلى تحدي إيران، لكن يمكنه بذلك الجيش الدفاع عن الإمارات من التعديات القادمة من الرياض.

يقرن الزعيم الإماراتي هذه القوة العسكرية مع الدبلوماسية لبناء علاقات بعيدا عن الولايات المتحدة.

لقد نظرت الدول الخليجية الأصغر حجمًا إلى الولايات المتحدة تاريخيًا على أنها تؤسس سياساتها الخليجية على السعودية (وكذلك على إيران، فيما قبل 1979) وتعامل دول الخليج الصغيرة كلاعبين هامشين.

فمنذ عام 1971 وحتى اندلاع الحرب الإيرانية – العراقية في أواخر عام 1980، تجاهلت الولايات المتحدة عمومًا دول الخليج، مفضلة التعامل في المقام الأول من خلال المملكة ومعها، وبعد أن أصبحت إيران عدوًا للولايات المتحدة، حاول القادة الأمريكيون إقناع دول الخليج الأصغر بتشكيل تحالف خليجي شبيه بحلف شمال الأطلسي بقيادة الرياض لكن هذا النهج لم يكن ناجحا.

خلال الفترة التي أمضيتها في المنطقة كدبلوماسي متوسط ​​المستوى، أخبرني أحد كبار القادة العسكريين في الخليج في الثمانينيات أننا نضيع وقتنا، لأن مثل هذا التحالف ستهيمن عليه السعودية حتمًا، وهو وضع لا يمكن استمراره بالنسبة لدول الخليج الأصغر وقال إنه لتحقيق النجاح، ستحتاج الولايات المتحدة إلى أن تصبح عضوًا رسميًا، لتحل محل الهيمنة السعودية بشكل فعال.

كان هذا، بالطبع، امرا مرفوضا في واشنطن، وظلت السعودية هي الدولة التي تذهب إليها واشنطن، بناءً على علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة.

تغير الوضع الأمني ​​في الخليج بشكل كبير مع الغزو العراقي للكويت، والذي كشف عجز المملكة عن حماية نفسها – ناهيك عن دول الخليج الأخرى – وجعل الحاجة إلى استمرار القيادة الأمريكية في المنطقة واضحة.

في أعقاب حرب الخليج، أخبرني أحد القادة الخليجيين أنه في حالة نشوب صراع إقليمي آخر، فإن المملكة لديها استراتيجية عسكرية وحيدة تتمثل في استدعاء الأمريكيين وقال ساخرًا: “نحن نعرف أيضًا كيفية استخدام الهاتف”.

في الواقع، جاءت ذروة النفوذ الأمريكي في الخليج بعد تحرير الكويت عام 1991، وفي السنوات التي تلت ذلك، بنت أمريكا وجودًا عسكريًا معقدًا في المنطقة، وأصبحت المصدر الأساسي للمعدات العسكرية والتدريب لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، وكان يُنظر إليها على أنها ضامن المنطقة ضد تهديد الملالي في طهران.

بدأت دول الخليج الأصغر تشعر أن الولايات المتحدة أخيرًا أعطت الأولوية لعلاقاتها الثنائية معها، فقد تم تفسير نقل القاعدة الجوية الأمريكية من قاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة إلى العديد في قطر على سبيل المثال على أنه تحول في الاعتماد الأمريكي ليكون على دول الخليج الأصغر وعزز استعداد الولايات المتحدة لبيع هذه الدول مواد دفاعية أكثر تعقيدًا من هذا التصور.

انتهت فترة شهر العسل بعد الكارثة المزدوجة للولايات المتحدة في افغانستان والعراق، والتي أزعجت الرأي العام الموالي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط (وأثارت في نفس الوقت توتر جمهور خبراء الشرق الأوسط في أمريكا.

اليوم، لا تزال الولايات المتحدة في الخليج، ولكن من الواضح لجميع الأطراف أن مصالحها تكمن في مكان آخر.

لقد تحدثت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن “التحول إلى آسيا” لفترة طويلة لدرجة أن الناس في المنطقة بدأوا يصدقونها، وفي الوقت نفسه، جعلت ثورة النفط الصخري الولايات المتحدة منافسًا في تصدير الغاز، وليست زبونًا – مما عزز الانطباع بأن أمريكا لم تعد تعتبر المنطقة حاسمة لمصالحها.

لقد تراجعت الثقة في استمرار الوجود الأمريكي بشكل عام، وفي ظل غياب قيادة أمريكية واضحة، قامت دول الخليج بتكييف استراتيجياتها لاستيعاب هذا الواقع الجديد.

أصبح محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ورئيس الحكومة، أكثر حزماً وثقة بالنفس منذ أن برز لأول مرة داخل المملكة في عام 2015 ولم تكن بدايات محمد بن سلمان المبكرة في ممارسة سياسات القوة الدولية جيدة.

سرعان ما تحول التدخل في اليمن، الذي بدأ بعد فترة وجيزة من تولي محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع، إلى مستنقع مكلف، مما أعطى إيران فرصة لإلحاق الضرر بالمملكة بتكلفة قليلة لأمنها، وأصبح اختطاف رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري مزحة دولية وفشل في تحقيق هدف محمد بن سلمان المفترض في مواجهة وكيل ايران اللبناني حزب الله، كما أثار مقتل الصحفي السعودي المنفي جمال خاشقجي غضب الأمريكيين من الحزبين.

ومع ذلك، من الواضح أن محمد بن سلمان تعلم من أخطائه. لقد أصبح الانخراط الدبلوماسي المنخفض المستوى مع إيران لمدة ثلاث سنوات استئنافًا واسع النطاق للعلاقات الدبلوماسية التي جلبت للرياض فائدة إضافية تتمثل في زيادة النفوذ في العراق.

كما تلاشت كارثة خاشقجي من عناوين الأخبار منذ فترة طويلة وأوروبا الآن تحاكم محمد بن سلمان عبر تقديم دعوات له لزيارة لندن وباريس.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تعهد ذات مرة بمحاسبة القادة السعوديين على جريمة القتل على أراضيه ابتلع كبريائه، ونقل التحقيق في قضية خاشقجي إلى السعودية، وزار محمد بن سلمان في جدة، كما جند محمد بن سلمان روسيا كحليف لأوبك، وشكل تحالف “أوبك بلس” وفي أعظم انتصار دبلوماسي له، رحب محمد بن سلمان بالرئيس جو بايدن في الرياض بمصافحته بقبضة يده.

خلال فترة وجوده في السلطة، بدأ محمد بن سلمان إعادة تشكيل طموحة للمملكة، من خلال ترويض رجال الدين الوهابيين الذين كانوا في يوم من الأيام الدعامة الأساسية لسيطرة آل سعود، ومتابعة مبادرات شاملة في مجالات الرياضة والسياحة والصناعات المستدامة، فضلاً عن التراجع بشكل كبير عن القيود الاجتماعية التي ميزت المملكة لعقود.

يتمتع محمد بن سلمان بشعبية كبيرة على الصعيد المحلي، وقد شرع الآن في جعل المملكة الدولة الأكثر نفوذاً في المنطقة والعالم العربي.

دول الخليج الأدنى لديها وجهة نظر مختلفة تجاه السعودية الواثقة من نفسها، فقد تسارعت مطالب السعودية بالهيمنة الإقليمية، مما أثار ذعر دول الخليج الأصغر.

كان نجاح الإمارات في تنظيم الحصار المفروض على قطر، وتعاونها في التدخل بقيادة السعودية في اليمن، علامة بارزة في العلاقات الإماراتية السعودية، لكن البلدين انجرفا منذ ذلك الحين إلى علاقة أكثر تشوبها منافسة اكبر.

يبدو أن الإمارات قد خلصت إلى أن التهديد طويل المدى من المملكة التي تم تمكينها حديثًا قد وصل إلى نفس مستوى التهديد طويل الأمد القادم من إيران والتي بعد كل شيء في موقف سياسي واقتصادي ودبلوماسي أضعف بكثير من السعودية في شبه الجزيرة العربية.

تمتد التداعيات السعودية الإماراتية إلى المجال الشخصي أيضًا؛ فعلى الرغم من أن محمد بن سلمان اعتبر محمد بن زايد ذات مرة حليفًا وثيقًا، إلا أن الزعيمين لم يتحدثا منذ ستة أشهر على الأقل، وفقًا لتقرير وول ستريت جورنال المتفجر.

في نفس المقال، نُقل عن محمد بن سلمان غضبًا من نظيره الإماراتي، زاعمًا أن أبو ظبي “طعنته في ظهره” ووعد بانتقام غير محدد المعالم.

استجابة لتصوراتها الجديدة للتهديدات، تعمل أبو ظبي على إصلاح العلاقات مع الجميع، وقد أعادت تنشيط علاقتها مع إيران، وأعادت سفيرها إلى طهران بعد توقف دام عدة سنوات، وقد رحبت أبو ظبي مؤخرًا بأردوغان في زيارة دولة، مما أدى إلى شفاء العداء المتأصل من دعم أنقرة لقطر خلال الحصار.

ولعل الأهم من ذلك أن الإمارات وافقت على المشاركة في “الاتفاقيات الابراهيمية” منتصف عام 2020، لتصبح بذلك أولى الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ أكثر من ربع قرن.

على الرغم من تأطير التحالف باعتباره حصنًا ضد إيران، إلا أن سعي الإمارات الدؤوب لتحسين العلاقات مع طهران يجعل المرء يتساءل عما إذا كان هذا هو بالفعل نية أبو ظبي طويلة المدى.

يمنح بناء علاقة مع إسرائيل الإمارات موطئ قدم صغير ولكنه مهم في الفناء الخلفي للسعودية، ويعرف محمد بن زايد جيدًا أن محمد بن سلمان يجب أن يتغلب على المزيد من العقبات لفتح علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أكثر مما فعل.

لا تزال المملكة تقدم نفسها على أنها زعيمة العالم الإسلامي كعنصر أساسي في سياستها الخارجية، ومن المرجح أن فتح سفارة في إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية يمثل امرًا صعب الوصول بالنسبة للقيادة السعودية.

يمكن للمرء أن يميز نمطًا مشابهًا في تصرفات إماراتية أخرى في السنوات الأخيرة.

في أوائل عام 2022، أعلنت الإمارات انسحابها من التحالف العربي بقيادة السعودية الذي يقاتل في اليمن.

وعلى الرغم من انسحاب أبو ظبي من التحالف، إلا أن قواتها لا تزال نشطة للغاية، لا سيما في جنوب اليمن حيث أقامت تحالفات مع المجلس الانتقالي الجنوبي وعناصر انفصالية أخرى في مناطق حضرموت والمهرة – تحالفات تتعارض مع الرياض، التي تسعى إلى إعادة تأسيس دولة يمنية مركزية.

اشتكى قادة من جزيرة سقطرى الواقعة قبالة جنوب اليمن من أن الإمارات قد استولت فعليًا على الجزيرة، مما منحها موطئ قدم في بحر العرب مقابل الساحل الصومالي.

تشير التقارير الإخبارية أيضًا إلى أن الإمارات تبني قاعدة جوية في جزيرة ميون، تقع داخل باب المندب، وفي الوقت نفسه، عززت الإمارات وجودها التجاري في أرض الصومال، وهي مقاطعة صومالية انفصالية على طول ساحل خليج عدن، ونشرت قوات جوية وبحرية في عصب في إريتريا بعد محاولة دبلوماسية أدت إلى مقتل محاولات لإنشاء قواعد في جيبوتي.

يؤدي وضع هذه الإجراءات معًا إلى استنتاج مفاده أن الإمارات قد جهزت نفسها لممارسة سيطرة غير مسبوقة على باب المندب، مخرج جميع حركة المرور في المحيط الهندي من البحر الأحمر.

التفسير القائل بأن أهداف الإمارات هي خيرية فقط في أنها ترغب ببساطة في ضمان سلامة صادرات النفط عبر البحر الأحمر – لا معنى له.

إن إبقاء باب المندب مفتوحا لتدفق الهيدروكربونات سيبقى أولوية أمريكية وأوروبية عليا في المستقبل غير المحدد، وقد التزمت البحرية الأمريكية بالفعل بتأمين المضائق لكن بناء وجود عسكري وجيوستراتيجي قوي في باب المندب يمنح الإمارات الفرصة لحرمان السعوديين من المضائق؛ وهو رادع يحتمل أن يغير قواعد اللعبة ضد أي تهديدات سعودية مستقبلية.

وهكذا يبدو أن محمد بن زايد ربما قرر أن الخلافات القديمة بين العائلات الحاكمة في الخليج الأدنى أصبحت الآن رفاهية لا يمكن تحملها لدول الخليج الساحلية.

كانت هذه الخلافات ذاتية التدمير بطبيعتها، مما مكن الإيرانيين والسعوديين من ان يدفعوا الدول الخليجية الصغيرة ضد بعضها البعض ومنعهم من اكتساب سلطة إقليمية حقيقية.

على الرغم من استمرار انعدام الثقة المتبادل بين قطر والبحرين، إلا أن نفس الشعور قد يكون له تأثير في الدوحة والمنامة.

اعتمدت الأسرة الحاكمة البحرينية على العائلة المالكة السعودية، أبناء عمومتها البعيدين، للحماية من التحديات المحلية والتهديدات الإيرانية، ومع ذلك، فإن نشر السعودية لقوات في البحرين لقمع الاضطرابات الشعبية في عام 2011 جعل الدولة الجزيرة تابعة للسعودية، وهي حالة من المرجح أن تثير غضب حكام الجزيرة.

على مدى العقد الماضي، أصبحت الإمارات داعمًا اقتصاديًا رئيسيًا للنظام البحريني، مما منح ابوظبي أذن الأسرة الحاكمة، وبالمثل، لم يكن لدى آل ثاني في قطر أي أوهام بشأن رغبة الرياض في تقليص دور شبه الجزيرة إلى مكانة تابعة.

إذا كانت الإمارات قد قررت أنها تريد جذب البحرين وقطر إلى مدارها الخاص من أجل الحماية المتبادلة من نمو النفوذ السعودي، وهذا امر محتمل للغاية، فإن المساعدة في إنهاء الخلاف الذي دام قرنًا بين هاتين العائلتين الحاكمتين سيبدو أنه الأولوية القصوى.

وإذا كان هذا يتطلب من آل نهيان التخلي عن ثأرهم الطويل مع آل ثاني، فإن محمد بن زايد هو قائد عملي بما يكفي للقيام بذلك.

* السفير باتريك ثيروس مستشار استراتيجي لمنتدى الخليج الدولي، وشغل سابقًا منصب المستشار السياسي للقائد العام للقيادة المركزية، ومناصبه الدبلوماسية تضمنت العمل في عُمان والامارات وسوريا وتولى منصب سفير الولايات المتحدة في قطر.. المقال نشر على موقع منتدى الخليج الدولي بعنوان “تغير الاصطفافات بين دول الخليج السفلى”.