القائمة إغلاق

كلمات.. على وجع قريتنا!!

محمد الصفي – سبايسي نيوز|
_
هناك على ضفاف شلالات فائقة الجمال، وأشجار تُشاكس الرياح، وجبال تعانق السماء، في وادي بنا، تقع «قرية المسقاة» بمديرية السدة التابعة لمحافظة إب، التي انتمي إليها، وتشدني لها عادةً والدتي العزيزة كلما ابلغتني عن مناسبة ما فيها، لأشارك أهلها وأبنائها.
هبوب الرياح، وأسراب الطيور، أنين السواقي، وأصوات المزارعين، جدران دارنا القديم، وروحانية المسجد الأعلى، نهيق حمار جارنا، وطاحونة المزعج؛ لحظات تظل عالقة في الذاكرة، بكل تفاصيلها، سواءً بعفوية وبراءة أو قسوة ومعاناة.
الحمامُ يُسلِّم هديله لـ جدتي، التي كانت رحمها الله تشبعه غالباً من فتات خبزنا في ذلك الحين، أما الأطفال فيتعثر الصبح بهم، عند انتشارهم قبل شروق الشمس كالنباتات التي تنمو على درب الحقل.
في اليوم الرابع من شهر مايو 2015م، كنت في منزل احد الأصدقاء بالعاصمة صنعاء، وحينها وردني اتصال، مفاده أن طيران العدو، شن عدة غارات استهدفت منازل متفرقة في قريتنا الصغيرة، بينها دارنا، واستشـ ـههد وجرح على اثر ذلك عددٌ من الأهل والأصدقاء.
صديق طفولتي الحنون الذي كان يعيرني سيارته المصنوعة من الأسلاك «لعبة»، كلما شعرت بالضجر، استـ ـششـ ـههد. أيضًا احد الأطفال الذين لا يخافون الموت بالرصاص، وينتشرون على درب ذلك الحقل، استـ ـششـ ـههد جراء غارات طائرات العدو، صديق آخر، بعد أن كان ينعم مثلنا بيدين وقدمين، وبسبب ذلك القصف على القرية صار لديه قدم واحدة و يدان، إحداهن أصبحت بلا أصابع.
والدتي العزيزة اكتفت بالدعاء للـ ـششـ ـههداء و المجـ ـاااهدين وتجاهلت ما جرى، فكل كلام في حقهم قليل، وكل شكر وثناء لا يبلغ مقامهم مهما عظم، هم فوق ما نستطيع ان نبدع من القول، وأعلى مما نبلغ من مراتب البلاغة، ولا يسعنا أمام نبلهم وصدقهم وكرم أخلاقهم وفروسيتهم إلا الصمت إجلالاً لبطولات لا تحتمل القول، ولا تحيط ببهائها ممكنات اللغة.
منازلٌ قصفت في تلك القرية الصغيرة واخرى تضررت على اثر ذلك، فقدنا أعز وأنبل وخيرة أبناءها.. أجل دارنا القديم المتواضع دمر، وغيره الكثير، ولم يتبقى لنا سوى حكايات الجدات، وحفنة من الذكريات، إلا أنها «لن ترى الدنيا على أرضي وصيا».
_