عندما بدأ اصدار العملات الورقية في القرن الثامن عشر ضج الناس حينها وحتى علماء اقتصاد رفيعي المستوى اعتبروا الامر خدعة!
كيف للاوراق ان تحمل قيمة نقدية ؟ حذر بعضهم ان هذا النظام القائم على الورق سرعان ما سينهار .
تطور الامر حتى وصلت امريكا لفكرة تغطية الدولار بالذهب كعملة عالمية في ١٩٤٩م ، ثم في ١٩٧١م الغت الغطاء الذهبي في خطاب متلفز دون سابق إنذار!
ومع هذا سادت العملة الورقية العالم يتزعمها الدولار , ومع الوقت ظهرت ادوات المضاربة النقدية في الاسواق الامريكية ( التي تستخدم المضاربة المالية وادواتها كمصدر للربح) وازدادت حصتها من اي اقتصاد انتاجي او خدمي اخر!
وبدأت تظهر مشكلة كبيرة تتمثل بلجوء امريكا للطبع لتغطية العجز حتى حدثت ازمة ٢٠٠٨م واستخدمت امريكا وبعدها الدول الكبرى الطبع كسياسة رئيسية لمعالجة الازمة، عندها فقط بداء الناس للاستماع للاصوات التي لطالما حذرت من وجود عملة مركزية تتبع حكومة واحده وتخضع لسياساتها الاقتصادية ، لجاء الناس للذهب عند الخوف ولكنهم اكتشفوا ايضا ان الذهب اصبح متحكم بسعره كثيرا ولا يعبر عن السعر الحقيقي لان امريكا ايضا تحتفظ باكبر احتياطاته (كثير من التقديرات تحدد سعر الذهب الان بين ٩٦٠٠ و ١١٢٠٠ دولار للاونصة الواحده ومع هذا يستمر تذبذبه تحت ١٨٠٠$ للاونصة ) !
لم يكن من المعروف كيف من الممكن حل مشكلة العملة الدولية وتناقص قوتها الشرائية ، وحذر الخبراء ان انهيار الدولار فكرة كارثية على مستوى دولي؟
ولكن كيف يمكن ايجاد بديل حقيقي وفعال؟ نحن لا يمكن ان نحل المشكلة من خلال اللجوء لعملة مركزية اخرى تتبع دولة اخرى مهما كان اعتقادنا بنزاهتها وشفافيتها.
العملات المشفرة :
في ٢٠٠٨م ايضا جاء البيتكوين ليقدم فكرة الانظمة الغير المركزية المتمثلة في البلوكتشاين وقدم اول تطبيق لها وهي البيتكوين نفسها العملة اللا مركزية مفتوحة المصدر عالية التشفير ذات الخوادم المشتركة والتي لا يمتلكها احد وتحددها قوانين وبورتوكولات ثابته لا يمكن تعديلها.
عندها كما كان الحال في البداية قال الناس كيف يمكن لعملة (الكترونية) مشفرة ان تصبح ذو قيمة وان يقام اقتصاد عليها تماما (كفكرة الورق في قبل حوالي قرنين ونصف) ؟ لم يدرك اصحاب التساؤل ما معنى فكرة البلوكتشاين وكم هي عبقرية ومثالية وستصبح مع الوقت اذكى فكرة قدمت لقرون؟ ولم يدركوا ايضا حقيقية ان امريكا لم تعد تطبع الدولار كورق منذ فترة طويلة الا في حدود التعاملات الدنيا وان عمليات الاصدار تتم كقيد الكتروني في الاحتياطي الفدارلي وان ماهو مطبوع من الدولار يمثل اقل من ٢٥% من المصدر اجمالا.
حاربت امريكا والعالم البيتكوين منذ البداية من باب انه خدعة ومن باب اخر انه قد يمثل في حال نجاحه بديل حقيقي غير مسيطر عليه ، وبعد استنفاذ محاولات اختراقه وتقييده وتحريمه اضطرت الدول للتسابق على قبوله بسبب سرعة تطوره وقبوله وامانه ، وايضا الخوف من تبني دول اخرى له ليرتبط بعملتها ويعزز اقتصادها باحجام تقترب اليوم من ٣ ترليون الدولار ويتوقع ان تتجاوز ال ٥ قريبا .
بعد ٢٠١٦م اصبح البيتكوين وبعض العملات الاخرى متداولة بشكل رسمي وتوسع نطاقها وازداد عدد المؤمنين بها كطريقة للتحرر المالي ! Financial freedom .
في ٢٠١٧م بدأت اثيريوم بتأسيس منصه بلوكتشاين مفتوحة المصدر تسمح لاي فكرة ان تبنى عليها وللسوق ان يحدد مدى قيمتها من خلال فرادة الفكرة التي تتبنها، انتجت الان اكثر من ١٠ الف عمله بينما تعترف المنصات الرئيسية بتداول اقل من ٣٠٠ منها لاسباب تتعلق بالامان واللامركزية وابداع الفكرة المرتبطة بها .
الميتافيرس والواقع المعزز :
سوق العملات الان يعمل على تأسيس عالم افتراضي لا مركزي جديد يعيد تشكيل نفسه بالكامل في هذة المنظومة الجديدة كل عملة تعبر عن نظام ما ، عملة كنظام للالعاب وعملة كنظام للحوالات واخرى نظام عقاري ورابعة كنظام توثيق وحماية الحقوق الفكرية وخامسة كنظام صوتي ذو شفرة خاصة ووو الخ ، لا يمكن شرح كل شيء الان بينما يمكن كتابة كتب حول تفاصيل الامر ولكن الفكرة اذكى واكثر تقدما من ان يستوعبها عقل واحد ، وهي العمود الفقري لفكرة انترنت الأشياء (Internet of things ) التي ربما سمعتم عنها كثيرا مؤخرا. والذي سيبدأ العمل فيه من خلال 6G او الجيل السادس من الانترنت وهو السبب الرئيسي لانفجار الصراع بين امريكا والصين بعد ان تقدمت الاخيرة كثيرا وانتجت الجيل الخامس للانترنت واصبح واقع في الكثير من دول الارض الان .
دخلت فيسبوك الركب ،وقررت الحصول على حصة الاسد من المستقبل، وأعلنت تغيير اسمها الى ميتافيرس وهو كون موازي ينتقل اليه الناس من خلال وسائط ماديه دون ان يتحركوا من مكانهم ، يسافروا فيه ويأسسوا المشاريع ويعقدوا الاجتماعات والصفقات ليكونوا في واقع معزز اخر يشبه هذا الواقع تماما ولكنه غير موجود في الحقيقة (ربما كما هو الحال مع هذا الكون ايضا ).
الفيسبوك اعلنت في البداية اطلاق شخصية افتار التي تمثل المستخدم في ذلك الواقع الاخر ثم اطلقت مؤخرا مرحلة التحول الى الميتافيرس.
العالم يتغير بشكل جذري الان وهي فرصة لكي تحصل الدول الصغيرة على حصة من ذلك المستقبل من خلال تبني وتشجيع تقنية البلوكتشاين والعملات والتقنيات المرتبطة بها ، وحتى على مستوى الافراد يمكن اللحاق بالركب وحجز حصة من المستقبل ، لازلنا في العصر الذهبي للتحول الذي سيحدث فارق حضاري مرعب بين الامم والشعوب والذي مرة اخرى يتيح المجال للجميع للحاق به .