القائمة إغلاق

المحرّضون والداعمون وشركاء «إسرائيل»: مجموعة أشرار

محمد سعيدي – سبايسي نيوز|

الإمبريالية الغربية تعهّدت بتقديم كل ما يلزم لجيش الاحتلال كي ينتصر. كم هم صادقون قادة هذا العالم في وعدهم! إذ إن جيش الاحتلال لم يعد في حاجة إلى جرافاته لتسوية الطرق وقلع أشجار الزيتون. أصبح ينجز كل شيء بالقنابل التي تسقط على غزة ليل نهار. خط لدباباته شوارع بديلة في مدن وقرى غزة، فسوّى مع الأرض كل المنازل والمنشآت بمن فيها وكل ما كان قائماً في هذه الطرق البديلة. وكيف لا يفعل هذا وهو يتمتع الآن بدعم سياسي وعسكري بدون شروط؟ فتحت أمامه مخازن الأسلحة الأميركية وتحركت لإسناده حاملات الطائرات والغواصات الأميركية! وأمام هذا الدعم الكبير، أصبحت مقاتلات الاحتلال تقصف ولا تبالي؛ المهم أن يكون الهدف من بشر وحجر وشجر في غزة. في يوم 5 نوفمبر، تداولت وسائل الإعلام نقلاً عن جيش الاحتلال أنه أسقط على غزة ما معدله ألف طن من المتفجرات يومياً، ما مجموعه أكثر من 25 ألف طن منذ 7 أكتوبر! بينما لم يسمح بدخول غزة إلا لـ 760 شاحنة مساعدات ابتداءً حتى 9 نوفمبر. هذه الشاحنات نقلت 5320 طناً؛ أي ما يعادل 161 طناً يومياً من المساعدات في مقابل ألف طن متفجرات تقتل في الغالب أطفالاً ونساءً وتدمر كل مقومات الحياة في غزة. ووقتما أعلن الاحتلال أنه قصف 14 ألف طن من المتفجرات، أحصى الفلسطينيون حوالي 14 ألفاً بين شهيد ومفقود جلّهم من الأطفال والنساء. لا أستغرب من الأنظمة في أوروبا وأميركا الشمالية، لأنها لا تزال تحنّ إلى ماضيها الاستعماري وترى في الجيش الصهيونى ابنها الشرعي. قادتها الذين ارتكبوا مختلف الجرائم في العالم وعلى رأسها جريمة الإبادة ضد الشعوب المستعمرة لا يزالون يعتبرون اليوم زعماء وطنيين ويتم تمجيدهم. هل نسينا أن الجيش الأوروبي في أفريقيا كان إذا أطلق رصاصة على أحد يفرض على أهله أداء ثمنها! هل نسينا مدينة الأغواط التي قصفها الجيش الفرنسي بالمواد الكيماوية وقتل حوالي 3 آلاف من أصل 4500 من سكانها سنة 1852! لماذا ننتظر من هذه الأنظمة الاستعمارية موقفاً آخر غير موقفهم هذا مما يدور في غزة! هل نجحت دون علمنا ثورة ما في هذه البلدان معادية لثقافة الاستعمار! طبعاً لا، هذه الأنظمة تعدّ طرفاً في الحرب رغم بعض التصريحات التي قد يسوقها الإعلام كجهود من أجل السلام. هذه الأنظمة لا تهمّها الأرواح البشرية التي تسقط كل يوم، بقدر ما تهمها الأرباح التي تجنيها وقت الحرب والسلم. فالولايات المتحدة الأميركية مثلاً تقف خلال الحروب كما يقف حفار القبور؛ تطلب دائماً المزيد. لذا قال رئيسها بايدن عندما طلب من الكونغرس الموافقة على 14 مليار دولار دعماً للكيان الصهيونى: «إنه استثمار ذكي». يقول هذا لأنه يعرف أن هذا الدعم سيذهب ليس لبناء المستشفيات والمدارس وإنما لشراء أسلحة الشركات الأميركية وتنشيط الدورة الاقتصادية المرتبطة بها.
الإمبريالية الغربية كانت دائماً منحازة ليس إلى القيم التي يصدع بها البعض رؤوسنا، وإنما إلى مصالحها وإلى حلفائها الذين ينفذون سياستها الدولية. في أوكرانيا مثلاً، لم يتحرك لا إعلامها ولا قادتها السياسيون لمّا كان نظام زيلينسكي ينكّل بشعوب المناطق الشرقية ويقصفهم، لكن تحرك الكل لمّا أصبح هذا النظام مهدداً بالسقوط، وهو الذي يحتل مكانة خاصة في سياسة الولايات المتحدة الخارجية التي تهدف إلى محاصرة روسيا والصين. وإذا كان الصراع في بعض المناطق البعيدة جغرافياً قد يلتبس فهمه عند عامة الجماهير في منطقتنا، ما يفسح المجال لانتشار الدعاية الإمبريالية، فإن العدوان على فلسطين عايشناه وعايشه آباؤنا. ومهما فعلت هذه الدعاية فإنها لا تفضح سوى نفسها أمام شعوبنا. في منطقتنا، لم يتحرك أي أسطول أوروبي أو أميركي، عندما كان الكيان الصهيونى ينكّل بالفلسطينيين ويقتل أبناءهم ويعتقلهم بدون محاكمة ويهجّرهم ويستولي على منازلهم وأملاكهم وأراضيهم، بحجة أنها «أرض أعطاها الله لبني إسرائيل»! لم يتحرك أحد ليقول إن هذا تهديد وجودي لشعب فلسطين. لم يتحرك أحد حينما احتل الكيان الجولان وجنوب لبنان وسيناء ليقول إن في هذا تهديداً وجودياً لدولة سوريا ولبنان ومصر، واعتداء على أراضي الغير وتهديداً لأمن شعوب أخرى! كل ما نراه كل مرة، هو أن الجيوش الأوروبية والأميركية تتحرك حينما يبدأ هذا الكيان في تلقي الضربات المضادة. المسألة هنا لا تتعلق بالدفاع عن الديموقراطية أو غيرها من القيم، بل إن الإمبريالية خلقت هذا الكيان بوظائف خاصة في المنطقة في إطار ترتيبات خروج الاستعمار المباشر وهي التي تتولى حمايته. وبما أنه حليف وفيّ لها، فهي تضمن أيضاً تفوّقه كما قال بايدن في إحدى خطبه الأخيرة:
«تمثل الحزمة الأمنية التي أطلبها من الكونغرس التزاماً غير مسبوق بأمن إسرائيل ومن شأنها أن تعزز التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وهذا ما التزمنا به… التفوق العسكري النوعي» (20 أكتوبر 2023).
هذا الكلام لم يأت في تصريح صحافي مرتجل لبايدن، بل أتى من خطاب أمام الكونغرس وسبقته نقاشات مستفيضة. لذا فهو يعبر عن أولويات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ليس سراً أن الاستعمار البريطاني رتّب أوراقه قبل الخروج من فلسطين مع الحركة الصهيونبة كي يترك حليفاً له في البلد. وهذا ما نهجه غيره من الأنظمة الاستعمارية كفرنسا في أفريقيا. هذه الترتيبات أنتجت لنا إجمالاً أنظمة حليفة للإمبريالية الغربية في المنطقة، لكن من بين هؤلاء الحلفاء يعدّ الكيان الصهيونى الأكثر وثوقاً ليس برغبة ذاتية، وإنما لظروف نشأته واستمراره. هذا الكيان أقيم على حوالي 57% (15 ألف كلم مربع) من فلسطين التي هي أصلاً بلد صغير وموارده الطبيعية متواضعة (حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181/ 29-11-1947). واعتمد على قاعدة اجتماعية في جلّها من اليهود الذين تم جلبهم من الخارج؛ حيث انتقل عدد اليهود في فلسطين من 56 ألفاً سنة 1918 إلى 640 ألفاً سنة 1948 مقابل 1,4 مليون من غير اليهود. للإشارة، فالذين تمّ جلبهم ينتمون إلى شعوب أخرى واعتنقوا اليهودية في ظروف تاريخية خاصة ببلدانهم، والأحرى أن يتمتعوا بحقوق المواطنة في بلدانهم الأصلية وأن لا يتم فرضهم بالقوة على بلد محتل. إضافة إلى أن هذا التوطين الجماعي لليهود تم رفضه من طرف بلدان أخرى أكبر مساحة من فلسطين كمثال كندا، وتم تفهّم موقفها! بينما تجاهلت الأنظمة التي تدّعي الديموقراطية موقف الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين لم يكن لهم موقف سلبي من أبناء فلسطين اليهود.
وبالعودة إلى كلام بايدن، يطرح سؤال جوهري؛ هل يستطيع نظام سياسي يقام على 15 ألف كلم مربع أن يصبح قوة إقليمية ويحقق التفوق النوعي بما في ذلك العسكري بالاعتماد على إمكاناته الذاتية؟! وهل من ضمانات أن تبقى بلاد لها إمكانات القوة الإقليمية على طاعة وانصياع دائمين للإمبريالية الغربية؟ التاريخ والحاضر يقولان إنها معادلة صعبة. فنقطة الضعف في نشأة الكيان أنه قام على شعار دولة لليهود ومنح الجنسية لكل يهود العالم، لذا كلما توسعت قاعدته البشرية زادت حاجته إلى غصب أراضي البلدان الأخرى، وكلما استوطن أرضاً جديدة زادت حاجته إلى أراضٍ أخرى لضمان أمن مستوطناته.

وهو لحدّ يومنا هذا، «البلد» الذي ليس له حدود رسمية. وهذا يجعله في حرب دائمة وفي حاجة دائمة إلى دعم الإمبريالية الغربية، مع أن نشأته كانت أساساً بمثابة إعلان حرب. لهذا يصنف كحليف موثوق لحاجة الكيان الدائمة إلى الدعم العسكري خصوصاً. إنه في ذلك مثل عضو جديد في مافيا، كلما تورط في جرائم أكثر نال ثقة أكبر. ومن جهة أخرى، حظوظ نجاحه شبه مستحيلة في إبادة شعوب المنطقة وإعمارها بمن يجلبهم من الخارج كما فعلت فرنسا وبريطانيا في شمال أميركا. وذلك لعدة أسباب، منها أن عدد يهود العالم محدود (حوالي 15 مليوناً) مقارنة بشعوب المنطقة المستعدة للمقاومة بكل ما لديها، وعدد لا يستهان به منهم يناهضون هذا المشروع السياسي البالي المنتمي إلى عصور الظلام. إضافة إلى هذا، فبريطانيا التى رعت هذا النوع من الأنظمة السياسية في أميركا وجنوب أفريقيا وفلسطين ليست هي نفسها اليوم. والولايات المتحدة التي تولت رعاية أخيها الأصغر وخاصةً مع بداية الستينيات (بعد عجز الأم) ليست في منحنى الصعود، بل بدأت مرحلة التراجع منذ سنوات.
الكيان الصهيوني إذا حافظ على طبيعته لن ينعم بالسلم ولن يتطور في اتجاه يستقل بنفسه عن الإمبريالية. فحروبه الدائمة قد تساعده في تطوير صناعات عسكرية، لكنها لن تجلب له رساميل لتنمية اقتصاد متكامل. ولن يعوّل على العاطفة الدينية، فالرأسمال يطوّع الدين ويستغله ويدير ظهره عنه في الوقت المناسب. ورأينا كيف أن بورصة تل أبيب خسرت فقط في الأيام الأولى التي تلت 7 أكتوبر حوالي 25 مليار دولار. وهذا مؤشر على أن الدولة إذا قررت الاقتراض عن طريقة البورصة ببيع سندات الخزينة، فلن تجد الاستجابة المتوقعة. وإذا أرادت الشركات أن تجلب رؤوس أموال جديدة ببيع أسهمها أو تبحث عن قروض، فلن تجد الاستجابة المتوقعة كذلك. وتؤثر حروبه أيضاً على قاعدته الديموغرافية. فكلما اشتدت حدّة المعارك استفحلت الهجرة العكسية التي لم تتوقف. مثلاً سنة 2021، هاجر إلى الكيان، حسب إحصائيات الاحتلال، 25 ألفاً وخاصة من الدول الفقيرة، وهاجر منه 9300 وخاصة نحو الدول الغنية كالولايات المتحدة 36%. وإذا كانت سنة 2022 قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً لطالبي اللجوء نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية، فإن المتوقع أن تكون 2023 سنةً استثنائية في أرقام الهجرة العكسية. وهذا التآكل الديموغرافي وهروب الرساميل لا يقلّان أهمية عن الخسائر العسكرية لجيش الاحتلال.
وإذا كان الكيان الصهيونى ليس عاملاً للسلام في المنطقة، وليس عاملاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها، فيبقى الدور الوحيد الذي جعل أمنه وتفوقه العسكري أولوية في السياسة الخارجية الأميركية هو الفوضى وزعزعة استقرار المنطقة لضمان التفوق الاقتصادي الأميركي. ترى المنافع متبادلة. فجرائم الاحتلال لا تعدّ وقد بدأت بنكبة 1948 ولن تنتهي بقصف مستشفيات غزة. وكل بلدان الجوار نالت حظها من عدوانه، نكتفي بذكر احتلال أجزاء من أراضي سوريا ولبنان ومصر، والعدوان الثلاثي على مصر 1956 وحربي 1967 و1973. وهو قبل كل هذا جريمة في حق اليهود الذين رهنت حياتهم ومستقبلهم بمشروع حرب مسدود الأفق وينتمي إلى عصور الظلام. كان يتنافس في جرائمه مع نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، لكن بعد إفلاس هذا الأخير، لم يبق له من نظير سوى مشروع «داعش». فإذا كان القانون الدولي يعتبر الاحتلال جريمة ويحقّ مقاومته بجميع الوسائل، فإن الكيان يجعل منه قيمة قومية كما جاء في قانون «الدولة القومية» (14-11-2021):
«تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته».
وهنا مرة أخرى، لا ينصّ على أي حدود أو ضوابط لهذا الاستيطان. وما دام الأمر هكذا، فمقاومة الشعوب وحدها هي التي تضع الحدود لطموح كيان الاحتلال.